فصل: فصل: (في خصوص هذه الأمة بحل الغنائم):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

مُخْتَصَرٌ مِنْ كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَقَسْمِ الْغَنَائِمِ:

.مَسْأَلَةٌ: [أقسام مَا يَقُومُ بِهِ الْوُلَاةُ مِنْ جُمَلِ الْمَالِ]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَصْلُ مَا يَقُومُ بِهِ الْوُلَاةُ مِنْ جُمَلِ الْمَالِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ تَطْهِيرًا لَهُ فَذَلِكَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ فَكِلَاهُمَا مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ فَأَحَدُهُمَا الْغَنِيمَةُ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الْأَنْفَالِ: 41] الْآيَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ الْفَيْءُ قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الْحَشْرِ: 17] الْآيَةَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ)- رَحِمَهُ اللَّهُ-: فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ، ثُمَّ تَفْتَرِقُ الْأَحْكَامُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي فِعْلِهِ، فَإِنَهُ قَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفُ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابِ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُرًى عَرَبِيَّةٍ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَيْثُ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَلِيَهَا عُمَرُ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، فَوَلَّيْتُكُمَاهَا عَلَى أَنْ تَعْمَلَا فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ أَكْفِيكُمَاهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حَكَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ أَمْضَيَا مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ مِنَ الْفَيْءِ مَا لِلنَبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمَا فِيهِ أُسْوَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ سِيرَتُهُمَا وَسِيرَةُ مَنْ بَعْدَهُمَا وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِمْ وَلَا خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتِ حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ فِيمَا فِيهِ صَلَاحٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَقْتَسِمَنَّ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ قَالَ: فَمَا صَارَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ فَيْءٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ فَخُمُسُهُ حَيْثُ قَسَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ، وَكَذَلِكَ مَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ مِنْ جِزْيَةٍ وَصُلْحٍ عَنْ أَرْضِهِمْ، أَوْ أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ لَا وَارِثَ لَهُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا أَخَذَهُ الْوُلَاةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَالْخُمُسُ فِيهِ ثَابِتٌ عَلَى مَنْ قَسَّمَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْفَيْءَ، وَفُتِحَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتُوحٌ مِنْ قُرًى عَرَبِيَّةٍ وَعَدَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ قَبْلَ فَتْحِهَا فَأَمْضَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَمَّاهَا اللَّهُ وَلَمْ يَحْبِسْ مِنْهَا مَا حُبِسَ مِنَ الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ خَاصَّةً يُرِيدُ مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، فَاسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ خُمُسَ ذَلِكَ كَخُمُسِ مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ لِأَهْلِهِ وَجُمْلَةُ الْفَيْءِ مَا رَدَّهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ مِنْ مَالِ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْغَنِيمَةُ فَهِيَ مِنَ الْغُنْمِ وَالْغُنْمُ مُسْتَفَادٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسَ:
وَقَدْ طَوَّفْتُ فِي الْآفَاقِ حَتَّى ** رَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ

وَأَمَّا الْفَيْءُ فَهُوَ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ قوله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الْحُجُرَاتِ: 9] أَيْ تَرْجِعَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنَ الظِّلِّ فَيْءٌ. لِرُجُوعِهِ وَالْأَنْفَالُ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْءٌ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسَ:
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنُ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ ** يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي

.الْقَوْلُ فِي حَدِّ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ:

وَالْغَنِيمَةُ كُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَهْرًا- بِقِتَالٍ- بِإِيجَافِ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ. سُمِّيَ غَنِيمَةً لِاسْتِقَادَتِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ. وَالْفَيْءُ كُلُّ مَا أُخِذَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَفْوًا بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، سُمِّيَ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ إِلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَهْلِ طَاعَتِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْهُمْ إِلَى أَعْدَائِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: الْغَنِيمَةُ مَا ظُهِرَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْفَيْءُ مَا ظُهِرَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِينَ، وَهَذَا قَوْلٌ شَذَّ بِهِ عَنِ الْكَافَّةِ، فَكَانَ مُطْرَحًا، وَمُعْمَلٌ فِي الْفَيْءِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الْحَشْرِ: 7] وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الْقُرَى. وَالْأَصْلُ فِي الْغَنِيمَةِ قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْأَنْفَالِ: 41]. وَالْأَصْلُ فِي الْفَيْءِ قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الْحَشْرِ: 7] الْآيَةَ.

.فصل: [في خصوص هذه الأمة بحل الغنائم]:

وَقَدْ كَانَتِ الْغَنِيمَةُ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ حل الغنيمة لهذه الأمة وَكَانَتْ تُجْمَعُ فَتَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُهَا إِلَى أَنْ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَى أَنْ قَالَ: وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ الْحَدِيثَ. فَجَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ مِلْكًا لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا دُونَ غَيْرِهِ بِقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ} [الْأَنْفَالِ: 1]. وَالْأَنْفَالُ هِيَ: الْغَنَائِمُ؛ لِأَنَّ النَّفْلَ فِي كَلَامِهِمْ هُوَ الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَمِنْهُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ، وَقَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ فَسُمِّيَتِ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا لِأَنَّهَا زِيَادَةُ مَالٍ مُسْتَفَادٍ وَفِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَجْلِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ شَكُّوا فِي غَنَائِمِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الْأَنْفَالِ: 1]. وَلَمْ يَعْلَمُوا حُكْمَ إِبَاحَتِهَا وَحَظْرِهَا حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الْأَنْفَالِ: 1].
وَالثَّانِي: أَنَّ شُبَّانَ الْمُقَاتِلَةِ يَوْمَ بَدْرٍ تَسَارَعُوا إِلَى الْقِتَالِ وَثَبَتَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الشُّبَّانُ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالْغَنَائِمِ لِقِتَالِنَا، وَقَالَ الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا فَإِنَّا كُنَّا رِدَاءً لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فِيهِمْ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ اخْتَلَفُوا وَكَانُوا أَثْلَاثًا فِي الْغَنَائِمِ أَيُّهُمْ أَحَقُّ بِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ وَجَعَلَهَا اللَّهُ لِرَسُولِهِ دُونَهُمْ حَسْمًا لِتَنَازُعِهِمْ، فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَأَدْخَلَ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةً لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَمَّا عُثْمَانُ فَلِتَشَاغُلِهِ بِتَمْرِيضِ زَوْجَتِهِ رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا طَلْحَةُ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ أَنْفَذَهُ لِيَتَعَرَّفَ خَبَرَ الْعِيرِ وَأَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْأَنْفَالِ: 41] الْآيَةَ، فَلَمَّا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى مَالَ الْغَنِيمَةِ إِلَى الْغَانِمِينَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ خُمُسِهِ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُ أَهْلَ الْخُمُسِ بِقوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ كَمَا قال تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النِّسَاءِ: 11] فَدَلَّ إِضَافَةُ الْمَالِ إِلَيْهِمَا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الثُّلُثِ مِنْهُ لِلْأُمِّ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي لِلْأَبِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه تَارَةً مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَتَارَةً مُسْنَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ»، فَصَارَ مَالُ الْغَنِيمَةِ مَقْسُومًا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، خَمْسَةٌ مِنْهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَوُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ، وَفِيهِ خِلَافٌ يُذْكَرُ مِنْ بَعْدُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَهُوَ عِشْرُونَ سَهْمًا تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ وَلَا يُفَضَّلُ ذُو غِنًى عَلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا حُكْمُ مَالِ الْغَنِيمَةِ.

.فصل حُكْمُ مَالِ الْفَيْءِ:

وَأَمَّا مَالُ الْفَيْءِ وَهِيَ الْأَمْوَالُ الْوَاصِلَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، كَالَّذِي انْجَلَى عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَوْفًا وَرُعْبًا، كَالْأَمْوَالِ الَّتِي صَالَحُونَا بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَدِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمُ اسْتِكْفَافًا وَتَوَرُّعًا وَالْمَأْخُوذَةِ مِنْ عُشُورِ أَمْوَالِهِمْ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْنَا تُجَّارًا، وَالْجِزْيَةِ الَّتِي نُقِرُّهُمْ بِهَا فِي دَارِنَا وَقَالَ: وَالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَرَاضِيهِمْ، وَالْأَرْضِينَ الْمَأْخُوذَةِ عَفْوًا مِنْهُمْ وَقَالَ: مَنْ مَاتَ فِي دَارِنَا وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْهُمْ، كُلُّ ذَلِكَ فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ وَاصَلٌ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَلَهُ فِي الْقَدِيمِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ الْفَيْءَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا انْجَلَى عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفًا وَرُعْبًا، لِقوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الْحَشْرِ: 7] وَمَا سِوَاهُ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَعُشُورِ تِجَارَتِهِمْ وَمِيرَاثِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ فَيْئًا وَيَكُونُ مَصْرُوفًا فِي الْمَصَالِحِ وَلَا يُخَمَّسُ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ أَصَحُّ، لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِهِمَا فِي الْوُصُولِ إِلَيْنَا بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَإِذَا كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَيْئًا فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَمْلِكُ جَمِيعَ الْفَيْءِ كَمَا مَلَكَ جَمِيعَ الْغَنِيمَةِ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، فَكَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ وَصَارَتْ مِنْ صَدَقَاتِهِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الْحَشْرِ: 7] الْآيَةَ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ حِينَئِذٍ، فِيمَا اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْفَيْءِ مصارفه عَلَيْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ مَالَ الْفَيْءِ مَصْرُوفٌ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَلَا يُخَمَّسُ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصْرِفُهُ فِيهَا. وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّ مَالَ الْفَيْءِ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا سَهْمٌ كَأَحَدِ أَهْلِ الْخُمُسِ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ».
وَالثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ خُمُسَهُ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةٍ، مِنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمٌ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُ خَاصَّةً، فَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِ الْفَيْءِ مَقْسُومًا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، مِنْهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ هِيَ لِأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ هُمْ ذَوُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} فَأَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَيْءَ إِلَى رَسُولِهِ كَمَا أَضَافَ الْغَنِيمَةَ إِلَى الْغَانِمِينَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنِ اسْتَثْنَاهُ فِي سَهْمِ الْغَانِمِينَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ مَا جُعِلَ لَهُ مِنَ الْفَيْءِ مَحْمُولًا عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَجْعُولِ لَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ الْخُمُسُ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَهُ لِمَنْ أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهِ وَهُوَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم كَمَا كَانَ الْبَاقِي مِنَ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ أَضَافَهَا إِلَيْهِ وَهُمُ الْغَانِمُونَ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُمَرُ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فَمَا فَضَلَ مِنْهَا جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَلِيتُهَا بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا رَسُولُ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ثُمَّ سَأَلْتُمَانِي أَنْ أُوَلِّيكُمَاهَا فَوَلَّيْتُكُمَاهَا عَلَى أَلَّا تَعْمَلَا فِيهَا إِلَّا بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ثُمَّ وَلِيتُمَاهَا ثُمَّ جِئْتُمَانِي تَخْتَصِمَانِ، أَتُرِيدَانِ أَنْ أَدْفَعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفًا، أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرِ مَا قَضَيْتُ بَيْنَكُمَا أَوَّلًا؟ فَلَا وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا قَضَاءً غَيْرَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ أَكْفِيكُمَاهَا.
فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ يَقْتَضِي كُلَّ مَرَّةٍ بِأَنَّ جَمِيعَ الْفَيْءِ مِلْكٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَظَاهِرُ الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْفَيْءِ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةٍ فَاقْتَضَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ خَالِصٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ خُمُسَهُ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةٍ حَتَّى يُسْتَعْمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَنَافَيَا وَلَا يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَمْلِكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُهُ خُمُسًا كَالْغَنِيمَةِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ لِلْوُصُولِ إِلَيْهَا بِالرُّعْبِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ بِالرُّعْبِ مِنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَالْعَدُوُّ يَرْهَبُنِي مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي الْمَصَالِحِ، فَهُوَ أَنَّ أَمْوَالَهُ كَانَ يَصْرِفُهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَلَا يَدُلُّ لِقُرْبِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ مَالِكٍ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا لِيَ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ َهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيمَةِ دُونَ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْنَا، وَالْغَنِيمَةُ هِيَ الْمُضَافَةُ إِلَيْنَا، فَأَمَّا الْفَيْءُ فَهُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِ لَا إِلَيْنَا.